استعرض سعادة محمد جلال الريسي – مدير عام وكالة أنباء الإمارات، رئيس اللجنة العليا المنظمة للكونغرس العالمي للإعلام – المحاور الأساسية الثمانية لنقاشات وتوصيات خبراء مختبر الإعلام التي تم تداولها من المسؤولين الإعلاميين والمراسلين الدوليين والباحثين الأكاديميين ضمن أجندة وفعاليات النسخة الأولى للكونغرس العالمي للإعلام، والذي نظمته شركة أبوظبي الوطنية للمعارض “أدنيك” بشراكة استراتيجية مع وكالة أنباء الإمارات “وام”، في شهر نوفمبر الماضي.
كان ذلك خلال يومين متتالين 20 و21 مارس الجاري بمدينة لندن بالمملكة المتحدة أمام مجموعة واسعة من مؤسسات الإعلام الدولي، والتي تُشكل أخبارها ومعلوماتها ومحتوياتها المتنوعة أهمية عالمية في شتى المجالات الحيوية، حيث أكد رئيس اللجنة العليا المنظمة للكونغرس العالمي للإعلام على أهمية مخرجات الدراسة البحثية كأولوية عالمية ومسؤولية تشاركية تضطلع بها مختلف المؤسسات الإخبارية والإعلامية من مختلف دول العالم نحو بناء مؤسسات إعلامية مرنة في عصر التضليل الإعلامي، هدفها الأساسي التعاون المُستدام في تشارك المعلومات ونشر الأخبار والتصدي للشائعات وصناعة المحتوى الصحفي والإذاعي والتلفزيوني والرقمي لخدمة البشرية جمعاء وبجميع لغات العالم في مختلف القارات.
وتفصيلاً تعتبر الدراسة البحثية “بناء مؤسسات إعلامية في عصر التضليل الإعلامي” مرجعاً دولياً مُهماً ومُلخصاً بحثياً توصل إليه فريق من الخبراء والمتخصصين ورؤساء التحرير والمراسلين من مختلف دول العالم، استناداً على بعض الدراسات والأبحاث التي أجريت في مختلف تخصصات الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية والرقمية، وتناولت تحليلاً موسعاً لموضوعين رئيسيين يشغلان باستمرار اهتمام خبراء صناعة الإعلام، أولهما استدامة العمل المشترك بين المؤسسات الإعلامية التي ينتمي إليها هؤلاء الخبراء والمتخصصين، وثانيهما التعاون الإعلامي الدولي في مواجهة التضليل الإعلامي وتصحيح المعلومات الخاطئة.
وقد اشتمل المُلخص التنفيذي لهذه الدراسة البحثية على ثمانية محاور رئيسية كما يلي:
أولاً: حول الإصلاح المُستدام للموروث الإعلامي:
يتطلب الإصلاح المستدام زيادة الاستثمار في الإعلام الرقمي، وتطوير محتوى فريد، واعتماد نهج إبداعي للتحليل وإعداد التقارير الصحفية، كما يعتمد هذا الإصلاح على زيادة المشاركة مع المجتمعات المحلية والاستماع إلى اهتمامات الناس واحتياجاتهم والاستجابة لها، مما يجعل المؤسسات الإخبارية والإعلامية أكثر استدامة وقدرة على مواصلة العمل في العصر الرقمي أو عصر المعلومات المضللة، بغض النظر عن الحجم أو الموارد أو الموقع، فمثلاً يُمكن تسخير إمكانيات الذكاء الاصطناعي في إنتاج محتوى إعلامي موجه أو متعدد التوجهات.
ثانياً: التوازن بين الترفيه والرِّبحية والمعلومات:
يتعين على المؤسسات الإعلامية الاستثمار في توفير المعلومات والمواد الترفيهية تلبيةً لاحتياجات المستهليكن المتعددة، إذ أن التوازن بين الترفيه والربحية والمعلومات هو مطلبٌ أساسي في ظل التطورات التكنولوجية وآثارها المتنوعة على تفضيلات الجماهير، خاصةً إذا أتقنت هذه المؤسسات تلبية احتياجات الجماهير من جهة، وتحقيق أرباح للشركاء المساهمين من جهة أخرى، ولذا ثمة حاجة مستمرة نحو أهمية التوازن في الإنتاجات الإعلامية المختلفة تماشياً مع ما وفرته وسائل التواصل الاجتماعي من بدائل متاحة في إنشاء المعلومة وصناعة الترفيه في آن واحد.
ثالثاً: معالجة الأمية الإعلامية في عصر التضليل الإعلامي:
أصبح التفاعل اليومي مع المعلومات الخاطئة أمر اعتيادي في عمل المؤسسات الإعلامية بمختلف مقراتها وقنواتها وطواقمها الصحفية، ورغم أن ظاهرة المعلومات المُلفقة ليست بجديدة كلياً، إلا أن برمجيات وأدوات وسائل التواصل الاجتماعي ساهمت بشكل كبير في تفشي هذه المعلومات والأخبار الكاذبة، خاصةً إذا ما وضعنا في الاعتبار انخفاض تكلفة مثل هذه المعلومات والأخبار وسرعة وصولها إلى شرائح واسعة من الجماهير، الأمر الذي يستدعي العمل بشكل جماعي ومؤسسي نحو التصدي لمثل هذه الممارسات التي وصفت بالأمية الإعلامية في عصر التضليل الإعلامي، فعلى سبيل المثال قام الاتحاد الأوروبي بإصدار قانون الخدمات الرقمية، وأصدرت المملكة المتحدة قانون الأمان عبر الإنترنت، وذلك كخطوات عملية في إطار منهجية أوسع لمكافحة المعلومات المُضللة.
رابعاً: “الجيل Z“: فرصة لإعادة تصور التغطية الإعلامية والتقارير:
يرتبط الجيل “Z” بالشباب تحديداً واستخداماتهم الُمتعددة للمحتوى المرئي القصير كمحتوى استهلاكي يعتمد على أساليب مُبتكرة في السرد القصصي والتغطية الإعلامية لمختلف الأنشطة والفعاليات كونه محتوى يتسم بالشفافية والنزاهة وينقل الأحداث بشكل مباشر، وهو ما شكل عاملاً مُهماً في اعتماد وسائل التواصل الاجتماعي كأدوات ومنصات تحظى بثقة لدى المستخدمين أكثر من ثقتها في المؤسسات الإعلامية والإخبارية التقليدية، ولذا من المهم العمل على أساس أن يكون المحتوى ُممتعاً للمتابعين، وفيه خصائص الترفيه والإثارة والتشويق على نحو مدروس ومفيد.
خامساً: عالم الميتافيرس: هل يُمثل ثورة في صناعة الإعلام؟
يعتمد عالم الميتافيرس على الخصائص المادية والمُعززة والافتراضية، ويوفر بيئة مواتية لتوظيف تقنيات قائمة على تكنولوجيا البلوكشين التي تسهل عمليات التحقق من صحة الحقائق والمحتوى على نطاق واسع وبشكل فوري، كما يساهم الميتافيرس كتكنولوجيا مُبتكرة من الذكاء الاصطناعي على توفير طرق جذابة ومذهلة لجمع وتحرير القصص الخبرية الموثوقة عبر تسخير تقنيات عدة كتطبيقات توليد النصوص مثل (Chat GPT)، والتفاعل مع الميتافيرس وتطبيقاته يجعل تجربة المستخدم أكثر تفاعلية ومرونة في بيئة صحفية مُبتكرة ومُتجددة التطوير والابتكار، وتُثري علاقة القراء أو المتابعين أو المشاهدين مع مضمون أية منصة إعلامية تستخدم التقنيات الجديدة للميتافيرس.
سادساً: نقل المعركة إلى مرحلة “الاستنزاف العظيم”:
يُقصد بمصطلح “الاستنزاف العظيم” مرحلة ما بعد جائحة كورونا نظراً لما شهدته صناعة الإعلام حول العالم من صعوبات مادية بالغة في الاحتفاظ بالموظفين خاصةً في ظل العمل عن بُعد وتنامي قدرات تطبيقات وبرمجيات الذكاء الاصطناعي المرتبطة بتحرير النصوص والقصص الخبرية، ولذا تحتاج المؤسسات الإعلامية باستمرار إلى وجود أنظمة مؤسسية مرنة من جانب، وتعمل على تحسين الإنتاجية ودقة القصص الخبرية من جانب آخر، مع الاحتفاظ بالقيم الخبرية الأساسية كالدقة والفورية والآنية في ظل التعامل مع كميات كبيرة من المعلومات والأخبار المُضللة من جانب ثالث.
سابعاً: الدعوة إلى تنظيم الإعلام الذكي:
ثمة حاجة مُلحة لتنظيم ما يُنشر في مواقع التواصل الاجتماعي، وما توفره تطبيقات وبرمجيات الذكاء الاصطناعي، وفي هذا الصدد مثلاً أصدر الاتحاد الأوروبي قانون الأسواق الرقمية وقانون الخدمات الرقمية، وهذان القانونان ينصان على تَحَمُّل المنصات الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي المسؤولية القانونية تجاه أي محتوى مُخالف غير مُلتزمٍ بالنصوص القانونية المذكورة، الأمر الذي استدعى أن تقوم هذه المنصات الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعية بإعادة التنظيم الذاتي أو التنظيم الداخلي من خلال اعتماد حزمة من المعايير والقواعد الخاصة للاستخدام، والتي يتم تحديثها باستمرار لضمان حماية المصالح الاقتصادية لها، إلا أن الجهات التشريعية والرقابية تعمل أيضاً باستمرار نحو تمكين الأفراد لحماية بياناتهم الشخصية وخصوصية معلوماتهم، وبطبيعة الحال يُلقي ذلك كله بظلاله على تجربة المستخدم وطبيعة تفاعله مع المحتويات الإعلامية والرقمية المتنوعة.
ثامناً: الأخبار المحلية المُستقاة من السكان الأصليين:
يُمكن أن توفر التقارير المحلية من قبل السكان المحليين منظوراً أفضل للأحداث والقضايا والقصص المُتصلة بسياقهم المحلي، وأن تساعد في تعزيز الشعور بالانتماء والتواصل بين السكان، كما تلعب الأخبار المحلية أيضاً دوراً مُهماً في محاسبة المسؤولين والمنظمات المحلية، الأمر الذي يعزز الشفافية والمصداقية ويضمن وجود مرونة طويلة الأمد بين المؤسسات الإخبارية، فعلى سبيل المثال لدينا مبادرة أخبار غوغل (GNI) التي تُقدم منحاً تصل إلى 50 ألف دولار أمريكي للصحفيين المستقلين الذين يستخدمون منصة يوتيوب، مع العلم بأن قرابة نصف متلقي المنحة يتواجدون خارج أمريكا الشمالية وأوروبا، فمثل هذه المبادرات تُمكّن وسائل الإعلام من تنمية مجتمع متنوع ومبتكر وشامل من الصحفيين عوضاً عن مكاتب الأخبار الدولية وغرف الأخبار المحلية.